الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
فأضاف ولم يقع الفعل ونصب الثاني على المعنى لأن الأول فيه نية التنوين، كقول الله جل وعزّ: {وَجَعَلَ الْلَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا} ولو جررت {الشمس} و{القمر} وعبد رب أخا عمرو على ما جررت عليه الأول جاز وكان جيدا. وقال: {إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاَّ امْرَأَتَكَ} فالنصب وجه الكلام لأنَّك لا تجرى الظاهر على المضمر، والكاف في موضع جرّ لذهاب النون. وذلك لأن هذا إذا سقط على اسم مضمر ذهب منه التنوين والنون أن كان في الحال وإن لم يفعل، تقول: هو ضاربُك الساعةَ أو غدًا وهم ضاربوك. واذا أدخلت الألف واللام قلت: هو الضارب زيدًا ولا يكون أن تجرّ زيدًا لأن التنوين كأنه باق في الضارب إذا كان فيه الألف واللام، لأن الألف واللام تعاقبان التنوين. وتقول: هما الضاربانِ زيدًا وهما الضاربا زيدٍ لأن الألف واللام لا تعاقبان التنوين في الاثنين والجمع. فإذا أخرجت النون من الاثنين والجمع من أسماء الفاعلين أضفت وإن كان فيه الألف واللام، لأن النون تعاقب الاضافة وطرح النون هاهنا كطرح النون في قولك: هما ضاربا زيد ولم يفعلا، لأن الأصل في قولك: الضاربان اثبات النون لأن معناه واعماله مثل معنى الذي فعل واعماله. قال الشاعر: من المنسرح وهو الشاهد الثالث والستون: وفي كتاب الله: {وَالْمُقِيمِي الصَّلاَةِ} وقد نصب بعضهم فقال: {وَالْمُقِيمِي الصَّلاةَ} والحافظو عورةَ استثقالًا للاضافة كما حذفت نون اللَذينِ والذينَ. قال الشاعر: من الكامل وهو الشاهد الرابع والستون: وقال: فالقى النون. وزعموا أن عيسى بنَ عمر كان يجيز: من المتقارب وهو الشاهد السادس والستون. كأنه إنما طرح التنوين لغير معاقبة اضافة وهو قبيح إلا في كل ما كان معناه اللذين والذين فحينئذ يطرح منه ما طرح من ذلك. ولو جاز هذا البيت لقلت: هم ضاربو زيدا وهذا لا يحسن. وزعموا أن بعض العرب قال: {وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ} وهو أبو السَمّال وكان فصيحا. وقد قرئ هذا الحرف: {إِنَّكُمْ لَذَائقُو الْعَذَابَ الأَلِيمِ} وهو في البيت أمثل لأنه اسقط التنوين لاجتماع الساكنين. واذا ألحَقْتَ النونَ نصبت لأن الاضافة قد ذهبت، قال: {وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} ووقال: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا} قال الشاعر: من الكامل وهو الشاهد السابع والستون. {وَاتَّقُواْ يَوْمًا لاَّ تَجْزِي نَفْس عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَة وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْل وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ}.
وقالوا من الوافر وهو الشاهد التاسع والستون: فأضاف آية إلى الفعل. وقالوا: إذهبْ بذي تَسْلَم وبذي تَسْلَمان فقوله: ذي مضاف إلى تسلم كأنه قال: اذهبْ بِذِي سلامَتِكَ وليس يضاف إلى الفعل غير هذا. ولو قلت في الكلام: واتقوا يومَ لا تَجزى نفس فيهِ فلم تنون اليوم جاز، كأنك أضفت وأنت لا تريد أن تجيء بفيهِ ثم بدالك بعد فجئت به، كما تقول: اليومَ آتيكَ فيه فنصبت اليوم لأنك جئت بفيه بعد ما أوجبت النصب وقال قوم: لا يجوز اضمار فيه. إلا ترى إنك لا تقول: هذا رجل قصدتُ وأنت تريد إليه ولا رأيتُ رجلًا أرغَبُ وأنت تريد فيهِ والفرقُ بينَهما أن أسماء الزمأن يكون فيها ما لا يكون في غيرها، وإن شئت حملتها على المفعول في السَعَةَ كأنك قلت: واتقوا يوما لا تجزيه نفس ثم القيت الهاء كما تقول: رأيتُ رجلًا أُحِبُّ وأنت تريد أحبه.
وقال: {جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} و{وَقَالَ نِسْوَة فِي الْمَدِينَةِ}. وقال الشاعر أشد من ذا وقد أخر الفعل، قال: من المتقارب وهو الشاهد الثاني والثلاثون: اراد أودتْ بها مثل فعل المرأة الواحدة يجوز أن يذكر فذكر هذا. وهذا التذكير في الموات اقبح وهو في الانس أحسن، وذلك أن كل جماعة من غير الانس فهي مؤنثة تقول: هي الحمير ولا تقول: هم. إلا أنهم قد قالوا: أولئك الحمير، وذلك أن أولئك قد تكون للمؤنث والمذكر تقول: رأيت اولئك النساء. قال الشاعر: من الكامل وهو الشاهد الحادي والسبعون: {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيم}.أما قوله: {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ} و: {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ} [50] وامكنة كثيرة، فإنما هي على ما قبلها، إنما يقول: إذكرُوا نعمتي واذكُروا إذ نَجَّيْناكُم واذكروا إذْ فَرَقْنا بكُم البَحْرَ واذكرُوا إذْ قُلتُم يا مُوسى لَنْ نَصْبِر وقال بعضهم فرّقنا.
وقالوا: شُكَاعَى للواحد والجماعة، وقال بعضهم للواحد: شُكاعاة.{وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَاذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُواْ حِطَّة نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ}.قوله: {وَقُولُواْ حِطَّة} اي: {قولوا} لتكن منك حِطَّة لذُنُوبِنا كما تقول للرجل: سَمْعُكَ إلَيَّ. كأنهم قيل لهم: قُولُوا: يا رب لتَكُن مِنْكَ حِطَّة لِذُنوبِنا.وقد قرئت نصبا على أنه بدل من اللفظ بالفعل. وكلُ ما كان بدلا من اللفظ بالفعل فهو نصب بذلك الفعل، كأنه قال: أحْطُطْ عَنَّا حِطَّةً فصارت بدلا من حُطَّ وهو شبيه بقولهم: سَمْع وطاعة، فمنهم من يقول: سَمْعًا وطاعةَ إذا جعله بدل: أَسْمَعُ سمعا وأَطيعُ طاعَةً. واذا رفع فكأنه قال: أمْرِي سَمْع وطاعَة. قال الشاعر: من الطويل وهو الشاهد الثامن والسبعون: وقال الآخَر: من الوافر وهو الشاهد التاسع والسبعون: وقال بعضهم: وَهْيَ عَلَيْهِ نَوْح جعلها في التشبيه هي النوح لكثرة ما كان ذلك منها كما تقول: إنَّما أنتَ شَرّ وإنَّما هُوَ حِمار في الشبه، أو تجعل الرفع كأنه قال: وهْيَ عَلَيْهِ صاحِبَةُ نَوْحٍ، فألقى الصاحبة وأقام النوح مُقامَها. ومثل ذلك قول الخنساء. من البسيط وهو الشاهد الثمانون: ومثله: {قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ} كأنهم قالوا: مَوعَظتُنا إِياهُمْ مَعْذِرَة وقد نصب على: نَعْتَذِرُ مَعْذِرَةً وقال: {فَأَوْلَى لَهُمْ} {طَاعَة وَقَوْل مَّعْرُوف} على قوله: {إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ} {فَأَوْلَى لَهُمْ} {طَاعَة وَقَوْل مَّعْرُوف} جعل الطاعة مبتدأ فقال: {طَاعَة وَقَوْل مَّعْرُوف} خير من هذا، أو جعل الطاعة مبتدأ فقال: طاعة وَقَوْل مَعْرُوف خير من هذا. وزَعم يونس أنه قيل لهم قُولوا حِطَة أي: تكلموا بهذا الكلام. كأنه فُرِضَ عليهم أَنْ يقولوا هذه الكلمة مرفوعة.{فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزًا مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ}.قال: {فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزًا مِّنَ السَّمَاءِ} وقال: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} وقال بعضهم: {والرِجْزَ}. وذكروا أن {الرُجْزَ} صنم كانوا يعبدونه فأما {الرِجْزَ} فهو: الرِجْسُ. والرِجْسُ: النَجَس وقال: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَس} والنَجَسُ: القَذَر.{وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ}.قال: {فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا} يكسر الشين بنو تميم، وأما أهل الحجاز فيسكنون: {اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا}.وقوله: {وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ}. من عَثِيَ يَعْثَى وقال بعضهم: يَعْثُو من عَثَوْتُ فأَنَا أَعْثُو مثل: غَزَوْتُ فأنَا أَغْزُو.{وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّائهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْر اهْبِطُواْ مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُو بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلك بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ}.
|